responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 126
[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 86]
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)
قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: إِنَّ الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هُنَا هُوَ:
مَا أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ عَلَى أَلْسُنِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَعِبَادَةُ اللَّهِ: إِثْبَاتُ تَوْحِيدِهِ، وَتَصْدِيقُ رُسُلِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا أَنْزَلَ فِي كُتُبِهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّ قَوْلَهُ: لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ هُوَ جَوَابُ قَسَمٍ، وَالْمَعْنَى، اسْتَحْلَفْنَاهُمْ: وَاللَّهِ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ، وَقِيلَ: هُوَ إِخْبَارٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ: لَا تَعْبُدُوا عَلَى النَّهْيِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقُولُوا وَأَقِيمُوا وَآتُوا وَقَالَ قُطْرُبٌ وَالْمُبَرِّدُ: إِنَّ قَوْلَهُ: لَا تَعْبُدُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ: أَيْ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ مُوَحِّدِينَ أَوْ غَيْرَ مُعَانِدِينَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا إِنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ يَعْبُدُونَ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وَبِأَنْ تُحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ، وَبِأَنْ لَا تَسْفِكُوا الدِّمَاءَ: ثُمَّ حُذِفَ أَنْ فَارْتَفَعَ الْفِعْلُ لِزَوَالِهَا. قَالَ الْمُبَرِّدُ: هَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ كُلَّ مَا أُضْمِرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ مُظْهَرًا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَ بِخَطَأٍ بَلْ هُمَا وَجْهَانِ صَحِيحَانِ وَعَلَيْهِمَا أَنْشَدَ:
أَلَا أَيَهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الْوَغَى ... وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي
بِالنَّصْبِ لِقَوْلِهِ أَحْضُرَ وَبِالرَّفْعِ. وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ: مُعَاشَرَتُهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّوَاضُعُ لَهُمَا وَامْتِثَالُ أَمْرِهِمَا، وَسَائِرُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ. وَالْقُرْبَى: مَصْدَرٌ كَالرُّجْعَى وَالْعُقْبَى، هُمُ الْقَرَابَةُ- وَالْإِحْسَانُ بهم: صِلَتُهُمْ وَالْقِيَامُ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَبِقَدْرِ مَا تَبْلُغُ إِلَيْهِ الْقُدْرَةُ.
وَالْيَتَامَى: جَمْعُ يَتِيمٍ، وَالْيَتِيمُ فِي بَنِي آدَمَ: مَنْ فَقَدَ أبوه. وفي سائر الحيوانات: من فقدت أُمَّهُ. وَأَصْلُهُ الِانْفِرَادُ- يُقَالُ: صَبِيٌّ يَتِيمٌ: أَيْ مُنْفَرِدٌ مِنْ أَبِيهِ. وَالْمَسَاكِينُ: جَمْعُ مِسْكِينٍ، وَهُوَ مَنْ أَسْكَنَتْهُ الْحَاجَةُ وَذَلَّلَتْهُ، وَهُوَ أَشَدُّ فَقْرًا مِنَ الْفَقِيرِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِهَذَا الْبَحْثِ أَدِلَّةً مُسْتَوْفَاةً فِي مَوَاطِنِهَا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً أَيْ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا حَسَنًا، فَهُوَ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كَبُشْرَى. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: حُسْناً بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ. وَكَذَلِكَ قَرَأَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ. قَالَ الْأَخْفَشُ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مِثْلُ الْبُخْلِ وَالْبَخَلِ، وَالرُّشْدِ وَالرَّشَدِ وَحَكَى الْأَخْفَشُ أَيْضًا حُسْنَى بِغَيْرِ تَنْوِينٍ عَلَى فُعْلَى.
قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، لَا يُقَالُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، نَحْوَ الْفُضْلَى وَالْكُبْرَى وَالْحُسْنَى

اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 126
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست